د.سيد عباس عراقجي
وزير الشؤون الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية
لاشك في أن هناك قلق جاد يجتاح الدول الاسلامية عامة تجاه مستقبل منطقة غرب آسيا نظرا للظروف التي تعيشها بلاد الشام و فلسطين.
إن الشعوب التي تقطن هذه الجغرافيا و التي كان و لا يزال لها دور حاسم في رسم المصير السياسي للعالم الاسلامي طوال قرون متمادية تتعرض الان و منذ عقود لضربات عنيفة ناجمة عن انتقال أزمة اوروبا اليهودية-المسيحية بعد الحرب العالمية الثانية بسبب تجاهل حقوقهم السيادية.
طوال سنوات المهمة الدبلوماسية – حينما كان موضوع الحوار حول الازمة الفلسطينية – كنت أواجَه دوماً بهذا الاستدلال من قبل الزملاء الاوروبيين بأن ” الالمان بسبب مجازر حكومة النازيين يشعرون بالخجل و تحمل المسؤولية “.
هذا كلام سليم بأن اسلوب السلوك الوحشي لتلك الفترة القاتمة من تاريخ اوروبا ترك جراحاً غائرة علی سكان تلك القارة و خلّف العديد من القروح الخبيثة علی جسد بقية دول العالم.
ان بلدي ايران و علی الرغم من حيادها تعرضت للاحتلال بسبب تداعيات تلك الحرب الكبرى و تجرّع شعبي و بلدي خسائر لا تعوّض إثر ذلك الاحتلال.
خلال معظم المباحثات الدبلوماسية حينما تتحدث الاطراف الاخرى عن خجلها و تحملها للمسؤولية يتبادر إلى ذهني هذا السؤال: من يتحمل مسؤولية العار والخجل من ممارسات جرائم اسرائيل التي احتلت اراضي الفلسطينيين و انتهكت القرارات الدولية و تعدّت على وحدة اراضي و سيادة الدول المجاورة للاراضي المحتلة و من خلال ايجاد العديد من المضايقات في مسار ارسال المساعدات الانسانية او الاعتداءات الجوية كالنموذج الأخير – هولوكاست مشفى شهداء الاقصى في ١٤ اكتوبر ٢٠٢٤ – و جسدت النموذج المعاصر للإبادة الجماعية لفترة الحكومة النازية في معسكر غزة؟!
واليوم و حينما تمتد دائرة هذه الجرائم البربرية و الوحشية الاسرائيلية الى سوريه أود ان أضيف ايضاً هذا السؤال ” من هو المسؤول عن اعتداء اسرائيل علي اراضي بلد يعيش مخاض سقوط حكومة و نشوء دولة؟ “.
ان الإعراب عن الأسف والقلق يعد من أبسط العبارات و احيانا من سفاسف الكلمات التي تستخدم في آداب العديد من ” الدول المسؤولة عن تغيير مصير شعوب غرب آسيا “.
اليوم يمر اكثر من سبعين عاماً حيث تعتبر ” المقاومة ” هي السبيل الوحيد لسكان هذه المنطقة ازاء تلك الاعتداءات السافرة للكيان الصهيوني و الدعم العلني للدول المتنصلة من المسؤولية ازاء الكوارث القائمة.
المقاومة التي تبلورت في اذهان الآباء و الأمهات و تمظهرت في السواعد القوية لأبناء المقاومة في أشكال مختلفة و متنوعة.إن صورة المقاومة طوال هذه الفترة تعيّنت حسب مقتضيات الزمان و القدرة و الإمكانيات، قد بنت ثقافة نموذجها ثلاثية ” أطفال الحجارة ” للشاعر السوري نزار قباني. انه لم يشاهد أيام غزة هذه لكنه رسمها بدقة في آفاق مخيلته:
يا تلاميذ غزة
علمونا
بعض ما عندكم
فنحن نسينا
علمونا
انه ذلك الشاعر الذي رسم صورة تآزر الشيعة و السنة و تشكيل جبهة مشتركة بين شعوب سوريه و العراق و لبنان و ايران و بقية دول المنطقة، الصورة التي مثلت طوق نجاة للعالم الإسلامي حين تعرض لعدوان داعش.
سميتك الجنوب
يا لابساً عباءة الحسين
وشمس كربلاء
يا شجر الورد الذي يحترف الفداء
يا ثورة الأرض التقت بثورة السماء
يا جسداً يطلع من ترابه
قمحٌ وأنبياء
سميتك الجنوب
يا قمر الحزن الذي يطلع ليلاً من عيون فاطمة
يا سفن الصيد التي تحترف المقاومة..
يا ضفدع النهر الذي
يقرأ طول الليل سورة المقاومة
هذه الآداب تدل على ان ثبات و استقامة أهالي الشام ضد الكيان الصهيوني و مودتهم وتعاطفهم مع حزب الله التي ازدات سرعة و شدة لا مثيل لها خلال حرب تموز لم تكن فكرة مستوردة أو أداة تم ضخها من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
انه انطباع ساذج ان نتصور انه بتغيير لون علم دولة سوف تتغير الرؤى و التطلعات الاجتماعية لذلك المجتمع. ان الشعب السوري هم اولئك الشجعان الذين سطّروا ملاحم المقاومة في حرب تشرين عام ١٩٧٣. ان وجهة نظر سكان سورية الأحرار في الدفاع عن القضية الفلسطينية كانت سببا في ان تتبدد آمال انفصال سوريا عن جبهة المقاومة على الرغم من انضمام نظام الحكم العروبي البعثي السابق إلى صفوف المشاركين في مؤتمر مدريد.
من وجهة نظري ان احداث سوريا الأخيرة يجب ألا تؤدي إلى انتهاك السيادة و وحدة الأراضي و هزيمة نظام الحكم الوطني في هذة الدولة بل ربما من المناسب كما حكم أدونيس عن مواطنيه ان نتريث لصدور الحكم. لقد كان رأيه صائباً حين قال ” ان الشعب السوري في كنه وجوده لا يرفض التغيير بل يرفض السلوك و الأساليب التي تؤدي إلى نتائج تتنافي مع ذات التغيير “. لذا فان الأحداث الأخيرة هي فرصة سانحة لاحترام آراء كافة المكونات القومية و الاتجاهات الفكرية الموجودة في سوريا.
ان سوريه اليوم تمر بامتحان صعب. تهديد ناجم عن تحركات التيارات الإرهابية كالقاعدة و داعش أدت إلى تفاقم القلق في المنطقة و هناك خشية من أن يجعل الارهابيين سورية حاضنة آمنة لهم.
من ناحية أخرى فأن الاعتداءات و التدخل العسكري للكيان الصهيوني و آمريكا و متحديهم الإقليميين من الخارج الذين ارتكبوا اخطاء استراتيجية لا تغتفر في حساباتهم أمرٌ لا يمكن كتمانه. اعتداءات و تدخل هدفه الواضح هو هدم الصروح الاجتماعية و الثروات العلمية و البنية التحية الاقتصادية و القدرة الدفاعية لسورية.
على الرغم من المصاعب التي تعتري هذا المسار و الضربات الناجمة عن هجوم الجيوش الأجنبية على سوريا يمكن المشاهدة بوضوح بأن هناك شعبا من جنس الشعب السوري يعيشون بجوار هذه الدولة بأيادٍ خالية ولكن بمعنويات عالية و إيمان راسخ في معسكر جباليا الصغير و يقاومون الاعتداءات البرية و الجوية للجيش الصهيوني طوال شهرين بكل شجاعة و بسالة.
ان السبيل للخروج من المأزق الحالي و الحفاظ على راية استقلال و شموخ الشعب السوري خفاقة هو الحفاظ على الانسجام و التعايش إلى جانب الانتخاب الحر في تعيين المصير المستقبلي لهذا البلد بواسطة كافة مكوناته. ان الاحترام لآراء الشعب ضمن انتخابات حرة و نزيهة تعكس إرادة الشعب السوري و تؤدي إلى تشكيل نظام سياسي منتخب من قبل كافة أبناء المجتمع هو اللبنة لتوجه السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في إطار القرار ٢٢٥٤ لمجلس الأمن الدولي.