عراقجي: لا دولة في غرب آسيا بمنأى عن النزعة التوسعية العسكرية والأمنية للكيان الإسرائيلي
قال عباس عراقجي، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيراني عراقجي: في الغابة التي صنعتها أمريكا لا وجود للقانون وللدفاع عن النفس يجب أن تكون قويًا.

وأفاد 66مصدر بأنه عُقد صباح اليوم الأحد المؤتمر الدولي بعنوان «القانون الدولي تحت الهجوم: العدوان والدفاع» بمشاركة سيد عباس عراقجي، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين السياسيين، والنخب، والباحثين البارزين، وممثلي المراكز الفكرية من إيران ومختلف دول العالم في مجالات الدبلوماسية والسياسة الدولية، وذلك في مركز الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية.

وألقى وزير الخارجية، سيد عباس عراقجي، كلمة خلال هذا المؤتمر الدولي، وجاء نصها الكامل على النحو التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب الخبرة والفكر،

السيدات والسادة،

أرحّب بكم جميعاً في طهران، وفي مركز الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويسعدني كثيراً أن أشارك اليوم في هذا المؤتمر الذي يحمل موضوعاً في غاية الأهمية: القانون الدولي تحت الهجوم، وأن تتاح لي فرصة تبادل الرأي معكم.

الضيوف الكرام،

في الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة، وفي وقت كان يُتوقّع فيه أكثر من أي وقت مضى أن نشهد التزاماً راسخاً بمبادئ القانون الدولي باعتبارها فضائل عالمية، وصوناً للإنجازات التي حققتها الجماعة الدولية في هذا المجال، نجد أنفسنا – للأسف – أمام هجوم شامل على هذه المبادئ من جانب قوى مراجِعة تسعى لإعادة صياغة النظام القائم.

نقف اليوم أمام حقيقة لم يعد ممكناً تجاهلها أو السكوت عنها: القانون الدولي يتعرّض لهجوم مباشر. فالعالم يواجه تحديات عميقة، واتجاهات مقلقة، وتحولات استراتيجية غير مسبوقة على مختلف المستويات.

لقد باتت الأسس التي يقوم عليها القانون الدولي هدفاً لضربات غير مسبوقة من القوى التي كان يُفترض أن تكون – بوصفها دائماً المدّعين بحماية النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية – الحارسَ الأول له. حتى البنية المعيارية التي أُرسيت بعد تأسيس الأمم المتحدة دخلت في فوضى شاملة، إلى حد أن «الحرب والعنف» لم تعد استثناءً، و«السلام والتعايش» لم يعودا قاعدة، بل تحوّل العنف والنزاع إلى نمط جديد في العلاقات الدولية، وأصبح اللجوء إلى القوة العسكرية أداةً عادية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لدى بعض الدول.

إن الوضع الراهن هو ثمرة مسار مناهض للقانون الدولي، تبنّته الولايات المتحدة وبعض حلفائها خلال السنوات الماضية خدمةً لنظام غربيّ التوجّه، تحت شعار «نظام دولي قائم على القواعد» بدلاً من «نظام دولي قائم على القانون».

فهذا «النظام القائم على القواعد» جرى تفسيره وتأويله عملياً وفق نوايا وبرامج ومصالح آنية للقوى الغربية، وغالباً بما يتعارض مع القانون الدولي، وبصورة انتقائية تجعل منه أداة في يد النزعة التفوّقية التي تمارسها الولايات المتحدة والغرب.

وللأسف، لم تجد النداءات المتكررة من شخصيات دولية بارزة ودول عديدة، ومنها دول الجنوب العالمي، الداعية إلى ضرورة العودة إلى قانون دولي يستند إلى العالمية والمساواة ورفض القوة والتمييز، أي صدى فعلي. حتى إن الحديث عن «النظام القائم على القواعد» بات أقل حضوراً، في وقت نشهد عملياً سعياً أمريكياً – وبمساندة بعض الحلفاء – لبناء «نظام دولي قائم على القوة».

السادة الأساتذة والباحثون الكرام،

وصل رئيس الولايات المتحدة إلى البيت الأبيض حاملاً عقيدة «السلام عبر القوة». ولم يمض وقت طويل حتى تبيّن أن هذه العقيدة ليست سوى عنوان لعملية جديدة تُخفي تحتها إطاراً عملياً يقوم على «الهيمنة عبر القوة»، وبقوةٍ عارية لا مواربة فيها.

لقد باتت التصريحات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين أوضح من أن تحتاج إلى تفسير؛ فالرئيس الأمريكي يعلن صراحةً أن بلاده لم تعد ترغب في الالتزام بالمعايير السياسية المعتبرة أو بالتصرف ضمن إطار القانون الدولي، بل تريد فقط «الانتصار». وهذا بحد ذاته إعلان صريح عن توجهٍ هيمنوي، وعودةٍ إلى قانون الغاب.

في هذا السياق، يُعاد توصيف وزير الدفاع ليصبح «وزير حرب»، وتُدرج تجارب الأسلحة النووية مجدداً على جدول الأعمال. والرئيس الذي يصف نفسه بأنه «رئيس السلام» يهاجم من يشاء حيث يشاء من دون سبب أو مبرر، يأمر بإخلاء المدن، يطالب باستسلام غير مشروط، وينقض كل القوانين الدولية وحتى التزامات الرؤساء الذين سبقوه.

إن هذا المسار القائم على توظيف القوة العارية، واستهداف أسس القانون الدولي بشكل مستمر، لا يمكن اعتباره إلا عودةً كاملة إلى منطق الغابة. ومن أي زاوية نظرنا إليه، فهو مسار لا يمكن ولا ينبغي أن يستمر.

تشير أحدث الإحصاءات إلى أن الإنفاق العسكري العالمي يقترب من ثلاثة تريليونات دولار، وهو أعلى مستوى له منذ عقود. ففي عام 2024 خُصِّص ما يزيد على 7% من موازنات الحكومات للإنفاق العسكري، فيما تقدّر نسب عام 2025 بما لا يقل عن 10%. وقد شمل هذا الارتفاع كل مناطق العالم، ما يعني نتيجة واحدة: المزيد من الحروب والعنف والتوترات. والسبب واضح؛ ففي غابةٍ صنعتها أمريكا لا وجود للقانون، وللدفاع عن النفس لا بد من امتلاك القوة.

وبسبب هذا التصعيد العسكري المفرط، نشهد اليوم اختلالات جيوسياسية واسعة، وتنافساً متصاعداً بين القوى الكبرى، وتطويراً متسارعاً للصواريخ والترسانات النووية والأسلحة الهجومية، وعسكرة التقنيات السلمية بما فيها المعدات الاتصالية، وتوسّع الاشتباكات العابرة للحدود بين القوى الإقليمية، إلى جانب فوضى متعددة المستويات في النظامين الدولي والإقليمي، وتراجع أشكال التقارب والتعاون الاقتصادي والثقافي وحتى العسكري بين الدول، والأهم من ذلك تراجع دور الدبلوماسية. والحقيقة أنه عندما شنّ الكيان الإسرائيلي في (13 يونيو) هجوماً على إيران بتوجيه مباشر من الرئيس الأمريكي، كانت القذائف الأولى تُطلَق في الواقع نحو طاولة المفاوضات بين طهران وواشنطن، بعد خمس جولات مكتملة، وقبيل انعقاد الجولة السادسة بعد يومين فقط. لقد كانت الدبلوماسية أول ضحايا الحرب التي استمرت 12 يوماً.

السيدات والسادة الحضور،

إن منطقة غرب آسيا، بصفتها واحدة من أكثر مناطق العالم انخراطاً في التفاعلات الدولية، باتت الضحية الأبرز لهذا المشهد المأساوي، وقد تأثرت تطوراتها مباشرةً بهذه المسارات الخطيرة. وفي الحقيقة، فإن ما شهدته هذه المنطقة، ولا سيما خلال العامين الماضيين، يعكس بكل وضوح هذه الاتجاهات المناهضة للسلام وللقانون الدولي.

وليس خافياً على أحد كيف يواصل كيان تل أبيب، بوصفه الذراع التنفيذية والتابعة للولايات المتحدة في غرب آسيا، ملاحقة أطماعه الجيوسياسية اللامتناهية والخطيرة، من خلال الاعتداء على أبسط مبادئ القانون الدولي. فهذا الكيان، المستند إلى شيك أمريكي وأوروبي على بياض، والمدعوم بمليارات الدولارات من أسلحة وتجهيزات الناتو والغرب، وبالحصانة التي يوفرها له هؤلاء في المؤسسات الدولية، ارتكب ولا يزال يرتكب أبشع الجرائم ضد الإنسانية: القتل، والمجازر، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي.

وخلال العامين الماضيين وحدهما، اعتدى هذا الكيان على سبع دول، واحتل مناطق جديدة في دول أخرى، منها لبنان وسوريا، ويتحدث دون خجل عن إعادة رسم خريطة غرب آسيا وقيام «إسرائيل الكبرى». وغدا واضحاً اليوم أن أي دولة في المنطقة ليست في مأمن من النزعة التوسعية العسكرية والأمنية لهذا الكيان.

السيدات والسادة،

بهذا المنطق نفسه، وانطلاقاً من أوهامه وطموحاته الجيوسياسية، أقدم الكيان الإسرائيلي – وبتوجيه مباشر من الولايات المتحدة، كما أقرّ بذلك رئيسها مؤخراً – في (13 يونيو)، وقبل يومين فقط من الجولة السادسة للمفاوضات النووية في مسقط، على توجيه ضربة غادرة للدبلوماسية وفرص التوصل إلى اتفاق سلمي.

لقد شكّل هذا العدوان على الأراضي الإيرانية، وما تخلله من استشهاد عدد من المدنيين، واغتيال قادة داخل منازلهم، واستهداف منشآت نووية سلمية، انتهاكاً صارخاً لأبسط قواعد القانون الدولي، وخروجاً فاضحاً على بنود ميثاق الأمم المتحدة، وهجوماً مباشراً على نظام الضمانات ومنظومة عدم الانتشار.

وفي الذكرى الثمانين لمأساة هيروشيما وناغازاكي، ارتكبت الولايات المتحدة – عبر هجماتها العدوانية المتهورة على مواقع نووية سلمية خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية داخل إيران – جريمة جديدة، لتتحول مجدداً إلى التهديد الأول للسلم والأمن الدوليين.

وقد مارست الجمهورية الإسلامية الإيرانية حقها المشروع في الدفاع عن أرضها وشعبها بموجب القانون الدولي، فلم تكتفِ بوقف المعتدين فحسب، بل وجّهت إليهم ضربات قاسية أثبتت أن الشعب الإيراني شعبٌ محب للسلام، لكنه يقف بثبات عند مفترق الحرب ولا يتراجع، ويجعل المعتدي يندم على فعله.

وشهد الجميع كيف تبدّل الخطاب خلال تسعة أيام فقط من «الاستسلام غير المشروط» إلى «الهدنة غير المشروطة»، لتتلاشى الأوهام التي نُسجت حول الشعب الإيراني ونظامه.

لقد التزمت إيران دائماً، بوصفها أحد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة، بالقانون الدولي. وبرنامجها النووي يستند إلى الحقوق المقررة في المادة 4 من معاهدة عدم الانتشار، بما في ذلك تطوير التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، ومنها التخصيب، وهو حقٌ أصيل لا يمكن نزعه من الشعب الإيراني، ولم تتخلَّ عنه إيران يوماً. وقد خضعت منشآتها لعمليات تحقق هي من الأكثر شمولاً في تاريخ الوكالة الدولية، ووفَت بكل التزاماتها الفنية.

وبعد اتفاق عام 2015، أوفت إيران بكامل التزاماتها في إطار خطة العمل المشتركة والقرار 2231، وقد وثّقت الوكالة الدولية ذلك في خمسة عشر تقريراً متتالياً. أما الولايات المتحدة فهي التي انسحبت من الاتفاق بشكل أحادي ومن دون أي مبرر، وليس إيران. ولو التزمت واشنطن بتعهداتها، لكان الوضع الدولي مختلفاً كلياً اليوم.

أما رد إيران على العدوان الإسرائيلي – والأمريكي عملياً – فقد جاء في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، باعتباره حقاً أصيلاً في الدفاع المشروع، وجرت عملياته الدفاعية وفق مبادئ الضرورة والتناسب والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.

وقد التزمت إيران، حتى في ذروة التهديد والاعتداء، بقواعد القانون الدولي الإنساني. وعلى عكس الكيان الإسرائيلي الذي يقتل مئات المدنيين عند أي ذريعة، لم تستهدف أي من عمليات إيران المناطق السكنية أو المدنيين. وأثبتت الجمهورية الإسلامية أنها، في كل الأزمات، تسير على نهج القانون، بينما داس المعتدون بأقدامهم ميثاق الأمم المتحدة ونظام عدم الانتشار ومبادئ العدالة، بل وحتى القواعد الآمرة في القانون الدولي.

السيدات والسادة،

إن القانون الدولي – رغم ما يتعرض له من هجمات شرسة – ما زال حيّاً، بشرط أن ندافع عنه جميعاً. إن التحديات التي ذكرتها تحمل في داخلها فرصاً أيضاً، أبرزها ارتفاع مستوى الوعي العالمي والإقليمي بخطورة المرحلة، وتنامي الإرادة الدولية من أجل الشمولية ونبذ النزعة العسكرية وتعزيز التعاون القائم على المصالح المشتركة.

علينا جميعاً العودة إلى نهج يستند إلى أعظم ما أنتجه العقل البشري من مبادئ: سيادة القانون، ونبذ القوة والعدوان، وتأكيد روح ميثاق الأمم المتحدة. فإذا لم يُوضع حد لمسار التمرّد على القانون واستعمال القوة العارية، فقد نواجه في المستقبل تجارب أشد مرارة.

إن العالم والمنطقة يواجهان اليوم مفترق طرق بين خطابين: خطاب الهيمنة والتفوق واستخدام القوة والعسكرة والحروب، أي قانون الغاب؛ وخطاب دولي يقوم على القانون، وعلى عالميّة حقوقه، وعلى المساواة والتقارب والحوار والسلام في إطار جماعي. وإيران تؤمن بالخيار الثاني، ومستعدة للإسهام – بالتعاون مع دول الجنوب العالمي والدول المسؤولة – في إعادة النظام الدولي إلى مساره القائم على القانون.

وفي محيطها الإقليمي، تسعى إيران إلى منطقة قوية تقوم على الفهم المشترك والأخوّة والسلام، وإلى مقاربة شاملة توظّف كل طاقات المنطقة. وترى الجمهورية الإسلامية أن أمن المنطقة هو من أمنها، وتطمح إلى أن يكون «الثقة المستدامة» أساس المشهد الإقليمي الجديد. ويتعين علينا جميعاً الاضطلاع بدور إيجابي لرسم عقيدة جديدة للأمن والسلام والازدهار والتقارب.

وفي الختام، وبالشكر لزملائي في مركز الدراسات، آمل أن يسهم هذا المؤتمر في تطوير الأسس النظرية والعملية لهذا المسار.

وشكراً لحسن إصغائكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *