تظل العادات جزءًا من الهوية الثقافية والروحية لأهالي خراسان، مما يجعل شهر رمضان هناك تجربة غنية بالتقاليد العريقة والممارسات الدينية العميقة.
– شهر رمضان في محافظة خراسان رضوي، وخاصة في مشهد وجوار مرقد الإمام الرضا (ع)، يتميز بأجواء روحانية مميزة. وتُقام خلاله العديد من العادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال، ومن أبرزها:
طقس “شبخواني” (إحياء الليل)
في الماضي، وقبل انتشار وسائل الإعلام الحديثة، استخدم الناس طرقًا خاصة لإعلام بعضهم البعض بموعد أذان الفجر، وكان من أبرزها رسم “شبخواني”(إحياء الليل)، والذي كان يتم على ثلاث مراحل قبل الفجر.
المرحلة الأولى: قبل ساعة ونصف من الأذان، كان يُعزف لحن على مقام “أبوعطا” باستخدام الطبول والأبواق، ما كان يُنبّه الناس إلى اقتراب السحور.
المرحلة الثانية: بعد نصف ساعة، كان يُعزف لحن آخر على مقام “حجاز”، ليُفهم الناس أن الوقت المتبقي للأذان هو ساعة واحدة.
المرحلة الثالثة: قبل ربع ساعة من الأذان، كان المؤذنون يصعدون إلى أعلى نقطة في المساجد أو التكايا ويبدأون في قراءة دعاء السحر وإنشاد أبيات شعرية مثل:
“قم فالعاشقون يبوحون بأسرارهم ليلًا، يحلقون حول عتبات المحبوب، كل الأبواب تُغلق ليلًا إلا باب الحبيب، فهو مفتوح دائمًا.”
لا يزال هذا التقليد موجودًا في بعض القرى، مثل “كناباد”، حيث يقوم ثلاثة من الرجال ذوي الأصوات الجميلة بالتجول في الأحياء لإنشاد الأدعية حتى الفجر.
عادات إيقاظ السحور: “چليكزني” و”تشتزني”
في بعض مناطق خراسان، كان يتم إيقاظ الناس للسحور عن طريق “چليكزني”، حيث كان شخص يقرع على وعاء معدني (چليك) معلق حول عنقه باستخدام عصاتين.
في “تربت حيدريه”، كان يتم إيقاظ الناس عبر “تشتزني”، حيث كان شخص يصعد إلى سطح مرتفع ويطرق على صينية معدنية لإعلان اقتراب السحور.
“آش قل هو الله” (حساء “قل هو الله”)
لدى أهالي مشهد تقليد مرتبط بختم القرآن في رمضان، حيث يحرصون على ختمه خلال الشهر. وفي ختام التلاوة، يتم توزيع حساء خاص يُسمى “آش قل هو الله”، حيث تقوم المرأة التي قرأت سورة (الإخلاص) بدعوة بقية النساء لتناول الحساء بعد رمضان.
موائد الإفطار وصلة الرحم
أهالي خراسان يولون اهتمامًا خاصًا بمآدب الإفطار، حيث يجتمع الأقارب لتعزيز الروابط الأسرية. وتنتشر هذه العادة خصوصًا في أيام الجمعة، وليالي 19 و21 رمضان، حيث يقوم البعض بذبح الأضاحي وتوزيعها على الفقراء.
إفطار حرم الإمام الرضا (ع)
يعتبر تقديم الإفطار في مضيف الإمام الرضا (ع) من أكثر العادات شيوعًا. يتبرع الناس بالأغنام والحبوب وغيرها من المواد الغذائية للحرم، أو يعملون في المطبخ كجزء من نذرهم. وعند أذان المغرب، تُقام موائد ضخمة في صحن الحرم الرضوي تقدم مختلف الأطعمة مثل:
الحلويات: حلوى “ماغوت”، شله زرد، زلابية وباميه.
الأطباق الرئيسية: حساء، أرز مع لحم أو دجاج، يخنة القيمه.
الإفطار الجماعي في قرية بابالحكم
في قرية بابالحكم بمدينة بردسكن، يجتمع جميع سكان القرية، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، في المسجد الجامع للإفطار على مائدة واحدة بعد أداء صلاة المغرب جماعة.
إحياء الليالي في الحرم الرضوي
يحرص سكان مشهد على زيارة حرم الإمام الرضا (ع) بعد الإفطار، حيث يقضون الليل في العبادة وقراءة القرآن حتى السحور، وهو تقليد لا يزال قائمًا بين كبار التجار وأهالي الأسواق القديمة.
مراسم “قنبرخواني” في ذكرى استشهاد الإمام علي (ع)
في ليلة 21 رمضان، تُقام مراسم “قنبرخواني” في مدن مثل كاشمر وسبزوار، وهي عبارة عن تعزية مسرحية تستعيد ذكرى استشهاد الإمام علي (ع).
تناول خبز الشعير في ليالي القدر
في ليالي القدر، يُفضل أهالي خراسان تناول خبز الشعير مع اللبن عند الإفطار، وتقوم بعض العائلات بتوزيعه في المساجد كنوع من الصدقة.
طقس “ملاقهزني” (الطرق بالمغرفة)
يُعد “ملاقهزني” من الطقوس الرمضانية الخاصة بأهالي تربت حيدريه وسبزوار، حيث يحتفل سكان سبزوار بـ ليلة 27 رمضان، التي يُعتقد أنها ليلة القصاص من عبد الرحمن بن ملجم، الذي اغتال الإمام علي (ع).
في هذه الليلة، يقوم الأهالي بتوزيع الحلويات، بينما يرتدي الشباب عباءات أو أغطية رأس، ويحملون أكياسًا، ويتنقلون بين البيوت بعد الإفطار. يقومون بطرق الأبواب بالمغرفة (ملاقه)، ثم يقفون بصمت خلف الباب. يعرف صاحب المنزل هذه العادة، وعند فتح الباب، يُقدم لهم الحلويات والتمور والسكاكر داخل المغرفة أو الكيس، قائلًا: “قولوا: لعنة الله على ابن ملجم!” فيردد الشباب هذه الجملة بصوت جماعي.
صلاة التراويح عند أهل السنة
يُعد إقامة صلاة التراويح من العبادات الأساسية لأهل السنة في مناطق تايباد، تربت جام، خواف، وسرخس. تقام الصلاة بعد العشاء على هيئة 10 صلوات ثنائية (20 ركعة)، وفي بعض المساجد يُقرأ جزءٌ كامل من القرآن يوميًا، ليتم ختمه مع نهاية الشهر.
مراسم الاعتكاف
يُقيم أهل السنة في خراسان مراسم الاعتكاف خلال العشر الأواخر من رمضان، حيث يبدأ الاعتكاف بعد إفطار ليلة 19 رمضان ويستمر حتى فجر عيد الفطر. يقضي المعتكفون هذه الأيام في المساجد، متفرغين للعبادة، وقراءة القرآن، والتأمل الروحي.
الليلة الأخيرة من رمضان
مع اقتراب نهاية رمضان، يستعد أهالي خراسان لاستقبال عيد الفطر عبر مجموعة من العادات:
الاغتسال وارتداء ملابس نظيفة أو جديدة.
إعداد زكاة الفطر، حيث يتم جمعها بين أفراد الأسرة وتخصيصها للفقراء.
إقامة موائد إفطار خاصة احتفاءً بختام الشهر الكريم.
صلاة عيد الفطر في خراسان
صلاة العيد في خراسان رضوي تُقام بأجواء مهيبة، حيث يجتمع المصلون في المساجد والساحات المفتوحة. بعد الصلاة، تبدأ زيارات التهاني بين الأهل والجيران.
في مشهد، يتوجه الكثيرون إلى حرم الإمام الرضا (ع)، حيث يؤدون صلاة العيد بجوار المرقد الطاهر، ثم يزورون الضريح، ويشاركون في مراسم احتفالية خاصة بهذه المناسبة.
بهذه العادات والتقاليد، يُودّع أهالي خراسان شهر رمضان بروحانية عالية، مستبشرين بقدوم العيد بفرح