المتحدث باسم الحرس الثوري في حوار مع وكالة مهر:

"اسرائيل" ليست في وضع يسمح لها ببدء حرب جديدة ضد إيران...كيف أدار قائد الثورة الميدان والمجتمع معا

أكد المتحدث باسم الحرس الثوري الإسلامي، العميد علي محمد نائيني ان العدو لا يملك الظروف لحرب جديدة، وما يُطرح اليوم هو في طبيعته عمليات نفسية وحرب معرفية.

وكالة مهر للأنباء – هادي رضائي- جواد فراهاني: في واحدة من أكثر اللحظات حساسية وتاريخية في الوضع الأمني للبلاد، جلسنا إلى حوار مع علي محمد نائینی، المتحدث باسم الحرس الثوري ونائب شؤون العلاقات العامة في الحرس الثوري الإسلامي، لنستمع إلى رواية مباشرة عن واحدة من أقصر، ولكن أكثرها تأثيراً، المعارك في التاريخ المعاصر لإيران: “حرب الـ۱۲ يوماً”. هذه المعركة لم تكن مجرد اشتباك عسكري تقليدي؛ بل كانت اختباراً وُضعت فيه جميع مقوّمات القدرة الوطنية الإيرانية – من قوة الردع لدى القوات المسلحة إلى متانة البُنى الاجتماعية – أمام امتحان عسير.

في هذا الحوار المفصّل، يروي العميد نائینی اللحظات الخانقة والمفاجِئة لبداية الحرب واستشهاد عدد من أبرز القادة العسكريين في البلاد، لكنه يؤكد كيف تم ترميم دوريّة القيادة في أقصر وقت ممكن، وكيف وُجِّه الردّ الساحق على المعتدي. ويكشف أن هذه الجاهزية المبهرة كانت نتيجة سنوات من التخطيط، والمناورات المتكررة لـ”الاقتدار”، وبعد نظر القادة الذين كانوا يعتبرون وقوع الحرب “أمراً محسوماً” منذ أشهر.

ويتناول الحوار طبيعة هذه الحرب الجديدة كلياً؛ حرب تكنولوجية، صاروخية وتركيبية، كان فيها ميدان الفضاء الإلكتروني والحرب المعرفية لا يقلّ أهمية عن ميدان المعركة. ويشرح المتحدث باسم الحرس الثوري الدور الفريد لقائد الثورة الإسلامية، ليس فقط في إدارة ميدان القتال، بل في “إدارة المجتمع” و”السيطرة على رواية الحرب”، وهو دور ضخّ الطمأنينة في روح الشعب.

ومن جانب آخر، كان عمود فقرة هذه المعركة هو صناعة الملحمة الشعبية؛ الشعب الذي شكّل في ذروة الحرب اجتماعات مليونية أحبطت كل محاولات العدو لصناعة الازدواجية، وأظهرت “الحصن الفولاذي” للوحدة الوطنية. كما يشرح العميد نائینی التنسيق غير المسبوق بين الميدان الإعلامي وميدان المعركة، وكيف استطاعت إيران الانتصار في حرب الرواية بحيث اقتنع الرأي العام العالمي بهزيمة الكيان الصهيوني.

ويتضمن الحديث مقارنة تحليلية بين حرب الـ۱۲ يوماً والدفاع المقدس(حرب ايران والعراق في عهد صدام)، والدروس الاستراتيجية التي استخدمت في هذه المعركة والمستفادة من الحرب الثمانية أعوام. وفي النهاية يأتي التحذير الجاد من المتحدث باسم الحرس الثوري: العدو غير قادر على خوض حرب جديدة، وما يقال اليوم مجرد “حرب نفسية”، مع تأكيده أن القوات المسلحة في حالة جاهزية دائمة لتوجيه ردّ أشد قوة وأكثر إيلاماً.

وفيما يلي النص الكامل لهذا الحوار الذي يحمل تفاصيل غير معلنة من إحدى أهم المعارك في تاريخ الثورة الإسلامية:

"اسرائيل" ليست في وضع يسمح لها ببدء حرب جديدة ضد إيران...كيف أدار قائد الثورة الميدان والمجتمع معا

من وجهة نظركم، كيف كانت طبيعة حرب الأيام الـ۱۲؟ وما الذي جعلها مختلفة عن الاشتباكات السابقة؟

هذه الحرب كانت مختلفة جوهرياً عن حرب الثمانية أعوام. الحرب المفروضة من قبل نظام صدام حسين كانت حرباً برية كلاسيكية بهدف احتلال الأراضي والسيطرة على خوزستان. ولكن حرب الـ۱۲ يوماً كانت حرباً “تكنولوجية، صاروخية وجوية” شاملة. حرباً تركيبية (Hybrid Warfare) كانت فيها العمليات السيبرانية – الهجومية والدفاعية – والحرب الإعلامية والحرب المعرفية عناصر بالغة الأهمية. هذه ظواهر تنتمي إلى الحروب الحديثة وغير المتماثلة. في الحروب السابقة كان معيار القوة هو الدمار المادي والخسائر البشرية، لكن في هذه الحرب كانت “التكنولوجيا، المفاجأة، الزمن، الجغرافيا، وامتلاك زمام المبادرة” هي العوامل الحاسمة. في هذه المعركة لم يكن معيار الانتصار هو احتلال الأرض، بل فرض الإرادة وتغيير معادلات القوة في ساحة القتال، وقد نجحنا في ذلك تماماً وأوصلنا العدو إلى حالة اليأس.

شهدنا ردّ فعل سريعاً جداً من إيران بعد الهجوم الأولي للكيان الصهيوني. كيف تمكنّا من الحفاظ على قوتنا الدفاعية وتوجيه ردّ قاطع فوراً؟

الجواب يكمن في “الجاهزية المسبقة”. منذ العام الماضي كان وقوع الحرب بالنسبة لنا “أمراً محسومًا”. كانت مناورات الاقتدار والتخطيط الدقيق كلها في اتجاه الردع والاستعداد لهذا اليوم. قادة كبار مثل الشهداء “باقري”، “رشيد” و”سلامي” كانوا باستمرار في حالة تقييم ومراقبة الجاهزية القتالية في كل الأبعاد – من السلاح والمعدات إلى التكتيك والتكنولوجيا.

بعد الهجوم المفاجئ للعدو الذي أدى إلى استشهاد عدد من قادتنا في المقرات العملياتية والقيادية، أُعيد تفعيل دورة القيادة بسرعة، وتم تنظيم قواتنا للردّ خلال أقل من ساعة. على سبيل المثال، نفذت الوحدات العملياتية للقوة الجوفضائية – رغم تأخير ۱۲ ساعة بسبب التعيينات الجديدة – عملياتها الصاروخية التاريخية وهي في حالة جاهزية كاملة. هذه الجاهزية كانت حصيلة سنوات من الجهد والبناء القتالي.

لو أمكن ذكر جانب غير معلن من دور قائد الثورة الاسلامية في إدارة هذه العمليات؟

كان دور قائد الثورة الاسلامية يتجاوز دور القائد العام التقليدي؛ كان دوراً “فريداً وتاريخياً” لا يمكن مقارنته إلا بدور الأنبياء والأئمة المعصومين(ع). في اللحظات الأولى للهجوم الثقيل، الذي صُمم لإحداث انهيار في نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية، قال سماحته: “هذا العدو سيُخزى”. هذا الكلام كان نوراً في الظلام، أعاد الثقة والهدوء إلى كل أجزاء المنظومة.

الأهم من إدارة ميدان القتال كان “إدارة المجتمع”. ظهوره في الوقت المناسب عبر التلفزيون الوطني وحديثه المباشر مع الشعب، حافظ على الهدوء والوحدة. أما الدور الأعمق فكان “السيطرة على رواية الحرب”. فقد رسّخ سماحته رواية انتصار إيران في مقابل الرواية المحرّفة للعدو. وكانت نتائج استطلاعات الرأي العالمية – التي أظهرت أن ۶۰٪ من شعوب العالم يرون إيران منتصرة مقابل ۱۳٪ فقط للكيان الصهيوني – شاهداً على ذلك.

قلتم إن “الشعب هو العمود الأساسي لوجستياً في هذه المعركة”. كيف ظهر هذا الدعم الشعبي؟

الشعب لم يكن مجرد داعم؛ بل كان “امتداداً لميدان القتال”. حاول العدو منذ البداية أن يخلق ثنائية “الشعب مقابل الحكومة”، لكن الإيرانيين أفشلوا هذه المؤامرة. في الأيام الأولى وذروة الحرب، أقيمت اجتماعات مليونية عفوية في عيد الغدير، حملت رسالة واضحة: “لا انفصال بين الشعب والحكومة”. هذا الدعم خلق “اتحاداً مقدساً” و”حصناً فولاذياً” قوّى معنويات المقاتلين وأحبط العدو. هذا الإحساس بالفخر الوطني والثقة بالقوات المسلحة كان أكبر مكسب في هذه الحرب. فاليوم المعركة الأساسية هي معركة الوعي، وعندما يشعر الشعب بالانتصار فهو منتصر في الحرب المعرفية.

"اسرائيل" ليست في وضع يسمح لها ببدء حرب جديدة ضد إيران...كيف أدار قائد الثورة الميدان والمجتمع معا

برأيكم، كيف يمكن الحفاظ على هذا الروح الشعبي وتعزيزها في زمن السلم؟

هنا يتحدد دور كل المؤسسات. كما أن القوات المسلحة تترتب وفق التهديدات العسكرية، يجب أن تتخذ كل مؤسسات الدولة ترتيباتها أمام “الحرب التركيبية” للعدو – الاقتصادية والمعرفية والنفسية. للشعب حق في رؤية الكفاءة والإخلاص في المجالات غير العسكرية كذلك.

ويجب ألا نسمح للمشكلات اليومية بأن تضعف هذه الروح. ومواجهة الازدواجية وإبراز القضايا غير المهمة من قبل الإعلام والنخب أمر حيوي للحفاظ على هذا التماسك. فالعدو يريد إيجاد حالة “لا حرب ولا سلم” بهدف زعزعة البلاد وتمهيد الطريق لأهدافه اللاحقة.

اشرتم الى إن “الميدان الإعلامي كان منسجماً مع ميدان القتال”. كيف تكوّن هذا الانسجام؟

هذا الانسجام كان نتيجة “تخطيط مسبق” و”حركة عفوية وواعية”. فقد دخلت القوات المسلحة والإعلام الملتزم إلى الميدان مع فهم واضح لأهمية حرب الرواية. هذه المرة كانت الرواية منذ البداية بأيدينا. وكانت النتيجة أن ۸۰٪ من الشعب الإيراني وحتى الرأي العام الإقليمي والعالمي صدّقوا هزيمة الكيان الصهيوني وانتصار إيران. وهذا إنجاز ضخم في الحرب المعرفية.

ما أهم مسارات تأثير العدو في الحرب المعرفية، وأين تكمن نقاط ضعفنا؟

نقطة ضعفنا هي الغفلة عن استمرار هذه الحرب وعدم ترتيب كل المؤسسات لمواجهتها. استراتيجية العدو الأساسية هي “الحفاظ على ظل الحرب” وإيجاد حالة “لا حرب ولا سلم”. يستغلون أي حدث داخلي – اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي – لإحداث اليأس والقلق وزعزعة الاستقرار. الهدف هو تعكير الداخل لفتح الطريق أمام أهداف عسكرية لاحقة.

كيف تقيّمون أداء الإعلام الداخلي؟ هل حافظ على الهوية الثورية والوطنية؟

الأداء بشكل عام جيد وقابل للدفاع، لكن بصراحة “لا يزال هناك الكثير لتطويره”. يجب إنتاج محتوى جذاب وخلاق وفعّال للشباب، والتصدي بذكاء للشبهات التي يثيرها العدو. إن الروايات غير المعلنة لهذه الحرب – مثل بطولات القوة الجوفضائية تحت القصف – تمتلك إمكانات لصناعة أفلام سينمائية ضخمة وكتب عديدة يجب تنفيذها عبر الفن الملتزم. كل ثانية من هذه الحرب تحمل قصة يجب روايتها تدريجياً للشعب.

"اسرائيل" ليست في وضع يسمح لها ببدء حرب جديدة ضد إيران...كيف أدار قائد الثورة الميدان والمجتمع معا

إذا أردنا مقارنة حرب الـ۱۲ يوماً بالحرب الثمانية أعوام، فما أوجه الشبه والاختلاف؟ وما الدروس المستفادة؟

أهم تشابه: كلتاهما “مشروع أمريكي” لإسقاط نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وإضعاف السيادة الوطنية، واستهدفتا عناصر قوة إيران.

الاختلاف الجوهري: الحرب الثمانية أعوام كانت برية وبناءً على “مفاجأة استراتيجية” لنا، لأننا لم نأخذ تهديد صدام على محمل الجد.

لكن حرب الـ۱۲ يوماً كانت جوية–صاروخية، وقد دخلنا فيها بـ”جاهزية كاملة وفهم واضح” للتهديد. كنا نعلم بوقوع الحرب قبل عام. أهم درس من الدفاع المقدس كان “التهديد المعرفي الصحيح”: أدركنا أن التهديد المقبل يكون عابر للحدود والمنطقة (أمريكا والكيان الصهيوني). ولو كانت لدينا قوة صاروخية اليوم في الحرب مع العراق، لما شنت تلك الحرب أصلاً. فالقوة الصاروخية تصنع الردع وتضمن النصر في حال وقوع الحرب.

نظرا الى ظروف المنطقة، هل هناك احتمالية للتصعيد؟ وكيف تقيمون جاهزية القوات المسلحة؟

لا نشعر بأي قلق تجاه التهديدات. القوات المسلحة تزداد قوة وابتكاراً كل يوم. لا نفكر إلا في الجاهزية. كل وحدات القوات المسلحة تجتهد لتقديم ردّ يكون في التكتيك والتكنولوجيا والأسلوب أكثر ابتكاراً مما كان في حرب الـ۱۲ يوماً. برأيي، العدو “لا يمتلك ظروف الحرب الآن”. والعائق الأكبر أمامه هو قدراتنا المتنامية التي تمنعه من اتخاذ أي قرار جديد. وما يقال عن حرب جديدة هو مجرد “عمليات نفسية”. ولكن إن ارتكب العدو حماقة أخرى فسيتلقى رداً أشد وأكثر إيلاماً. ونحن جاهزون حتى لحرب أكثر تعقيداً.

بمناسبة يوم القوة الجوفضائية في الحرس الثوري وذكرى استشهاد اللواء تهراني مقدم، ماذا تقولون عن بطولات هذه القوة، وخصوصاً الشهداء مثل حاجي زاده؟

القوة الجوفضائية اليوم “هوية وطنية” ومصدر فخر لكل إيراني. الشهداء الكبار مثل الشهيد حسن تهراني مقدم، الشهيد حاجي زاده والشهيد باقري، ربّوا طاقات بشرية ثمينة كان كل واحد منها بطلاً قومياً. الشهيد حاجي زاده لم يكن فقط قائداً صاروخياً، بل كان مديراً وأباً رؤوفاً. فقد أنشأ “قاعدة معلومات لكل عائلة من عناصر القوة”، وكان يرسل الهدايا لعائلاتهم في أيام مواليدهم حتى في أصعب ظروف الاستعداد داخل الأنفاق. ومن خلال الارتباط بالجامعات، جذب أفضل النخب إلى القوة الجوفضائية. هذه الطاقة البشرية هي التي صمدت تحت أعنف هجمات العدو، وأتمّت مهمتها بنجاح وغيّرت معادلات القوة. هم الذين أذاقوا الشعب الإيراني طعم الانتصار. رحم الله جميع الشهداء.

وإذا أردتم توجيه جملة واحدة إلى الشعب، فماذا تقولون؟

أيها الشعب الإيراني العزيز والصامد! كل ما لدينا هو ببركة دعائكم ودعمكم غير المشروط. نحن مدينون لصبركم ومحبتكم الدائمة. اعلموا أن جنودكم في القوات المسلحة دائماً يقظون، غيورون ومستعدون للدفاع عن العزة والأمن ووحدة تراب هذا الوطن. نحن أقل من أن نفي حقكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *