
كرّر السيناتور الجمهوري الأميركي، ليندسي غراهام، مواقفه الشديدة ضد طهران، قائلاً إن النظام الإيراني هو “أصل كل أزمات ومشكلات الشرق الأوسط”.
وفي الوقت نفسه، أصدر العضو الجمهوري في مجلس النواب الأميركي، جو ويلسون، بيانًا مطوّلاً امتدح فيه قيادة دونالد ترامب ومبعوثه الخاص لشؤون العراق، مارك سافایا، داعيًا إلى “تحرير العراق من (هيمنة) إيران”، ومؤكّدًا أن الوقت قد حان لكي “تقطع بغداد علاقاتها مع الميليشيات المدعومة من طهران”.
نهاية “الشيك المفتوح” لبغداد
وذكر ويلسون، في بيان نُشر أولاً على شكل سلسلة تغريدات، أن رسالة واشنطن إلى بغداد في ظل قيادة ترامب وسافايا باتت واضحة: “لم يعد هناك مكان للوضع السابق أو التساهل مع دعم الميليشيات المدعومة من إيران”. وأوضح أن الكونغرس جاهز- عبر قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA)- لجعل المساعدات الأمنية للعراق مشروطة بخطوات حقيقية من الحكومة العراقية للحد من دعم هذه الجماعات.
وأضاف أنه ظلّ لسنوات يدفع باتجاه تضمين بند في هذا القانون يمنع استخدام أموال دافعي الضرائب الأميركيين لصالح جماعات مثل فيلق بدر وميليشيات أخرى تابعة لإيران.
ويقدّم ويلسون صورة قاتمة لبنية السلطة في العراق، مدّعيًا أن “إيران تسيطر فعليًا على الجيش والأمن والقضاء والشرطة وأقسام واسعة من النظام السياسي العراقي”. وأشار إلى جماعات مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب الإمام علي بوصفها “منظمات مصنّفة إرهابية”، كما يتهم رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بأنه “يحكم دائمًا بما تريده طهران”.
وبحسب ويلسون، فإن “اسم رئيس الوزراء أو نتائج الانتخابات لن يُحدثا فرقًا كبيرًا”، لأن الشبكات المدعومة من إيران “تغلغلت في مختلف طبقات الدولة”. ويؤكد أن الكونغرس “لن يمنح بغداد شيكًا على بياض إلى الأبد”، مطالبًا العراق بوقف “الدعم المالي والمصرفي لمرتزقة طهران”، وقطع ميزانية هيئة الحشد الشعبي والميليشيات الحليفة من الميزانية الفدرالية، ومنع التحويلات المشبوهة بالدولار، ووقف الهجمات على إقليم كردستان.
تسريبات من بغداد: ترقّب أكبر حزمة عقوبات ضد شبكات مرتبطة بإيران
تأتي هذه التصريحات في وقت تشير فيه تسريبات من وزارات ومؤسسات حكومية عراقية- بينها وزارة الخارجية- إلى أن واشنطن تستعد لإعلان حزمة عقوبات جديدة “غير مسبوقة في السنوات الأخيرة” ضد أفراد وجهات عراقية يرتبطون بشبكات مالية تابعة للنظام الإيراني.
وتفيد المصادر العراقية بأن هذه الحزمة لن تشمل فقط شركات مالية ومصارف ومؤسسات استثمارية، بل ستطال أيضًا شخصيات سياسية وبرلمانية بارزة قريبة من الجماعات المسلحة الموالية لطهران. وقد أدخلت هذه الأنباء الساحة السياسية العراقية في مرحلة من الترقّب والقلق، خصوصًا مع استمرار المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة.
استهداف غسل الأموال وتمويل الوكلاء
كشفت ثلاثة مصادر حكومية ومصدر سياسي عراقي لوسائل إعلام إقليمية أن مسؤولين أميركيين أبلغوا بغداد، خلال زياراتهم الأخيرة، بأن العقوبات الجديدة ستستهدف الأشخاص المتورطين في غسل الأموال، وتمويل الجماعات الوكيلة لإيران، والتحايل على العقوبات. وتشير التسريبات إلى أن القائمة الأولية تضم قادة بارزين في الجماعات المسلحة ممن يشغلون الآن مقاعد في البرلمان.
ومن المقرر أن تُفرض هذه العقوبات عبر سلسلة قرارات متتالية من وزارة الخزانة الأميركية، ويرتبط جزء منها مباشرة بالهجمات الصاروخية والطائرات المُسيّرة المتكررة على حقول النفط والغاز في إقليم كردستان.
ويرى محللون عراقيون أن الفارق الجوهري في هذه الحزمة هو أنها لأول مرة تستهدف “الذراع السياسية والبرلمانية” للميليشيات، وليس بنيتها العسكرية فقط. وتشير المعلومات المسربة إلى أن هذه العقوبات قد تكون الأكبر ضد شبكات مرتبطة بإيران في العراق منذ سنوات، وسيجري الإعلان عنها تدريجيًا لتجنّب صدمة سياسية واقتصادية مفاجئة.
تأثيرات سياسية محتملة
إذا قرّرت واشنطن- كما تتوقع بعض المصادر- اتخاذ موقف علني ضد ترشيح شخصيات قريبة من الجماعات المسلحة للمناصب الوزارية أو رفض التعامل مع وزراء تربطهم علاقات مع الميليشيات، فقد يزداد الضغط على الائتلاف الحاكم في مسار اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. كما أن استبعاد شخصيات قد تطالها العقوبات من مواقع السلطة قد يعيد تشكيل موازين القوى في البرلمان ويدفع العملية السياسية نحو انسداد جديد.
انعكاسات اقتصادية مقلقة
يحذّر خبراء من أن استهداف المصارف والشركات المرتبطة بإيران في العراق قد يؤدي إلى: انخفاض حاد في السيولة بالدولار، واضطراب في النظام المالي المعتمد على الدولار، وارتفاع الطلب في الأسواق الموازية، وتراجع قيمة الدينار، وتعطّل مشاريع استثمارية، وموجة تضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وبالنظر إلى اعتماد الاقتصاد العراقي الكبير على الاستيراد والدولار، فإن أي نقص في العملة الصعبة قد يتحول سريعًا إلى أزمة اجتماعية وسياسية.
قانون الدفاع الوطني الأميركي: ربط المساعدات بكبح نفوذ الميليشيات
يُظهر أحدث مسودات قانون تفويض الدفاع الوطني أن المساعدات الأمنية للعراق ستصبح مشروطة بـ: تقليص نفوذ الميليشيات الموالية لإيران، وتعزيز صلاحيات رئيس الوزراء في التعامل مع هذه الجماعات، وملاحقة المتورطين في الهجمات على القوات الأميركية أو العراقية، مع إمكانية منح وزير الدفاع الأميركي استثناءً مؤقتًا (حتى 180 يومًا) عند الضرورة.
ورغم تقليص أدواره منذ 2003، فلا يزال الوجود العسكري الأميركي- إلى جانب أدوات الضغط المالي مثل التحكم بالدولار ومراقبة تعاملات البنك المركزي- يشكل رافعة أساسية للتأثير على موازين القوى داخل العراق.
مرحلة جديدة من مواجهة واشنطن وطهران داخل العراق
إن التلاقي بين تصريحات غراهام ووِيلسون حول “نزع سلاح حزب الله” و”تدمير حماس” و”تحرير العراق من إيران”، بالتزامن مع التحضير لأكبر حزمة عقوبات ضد شبكات مالية وسياسية قريبة من طهران، يشير إلى أن الملف العراقي يدخل مرحلة جديدة من المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران.
وهي مرحلة تستهدف فيها واشنطن- في وقت واحد- البُعد الاقتصادي والسياسي والأمني، وهو ما قد يساهم في الحد من نفوذ طهران إذا تعاونت بغداد، لكنه قد يعمّق أيضًا الانقسام السياسي والاضطراب الداخلي ويضعف سيادة العراق، مما يفرض على الحكومات المقبلة الموازنة بحذر بين واشنطن وطهران.
